أحداث الجنوب .. إشغال لدمشق ولا “تهديدات استراتيجية”
تقدير موقف | خاص الواقع
تتجه الأنظار، بدفع إعلامي، نحو جنوب سوريا، تحديدا بعض مناطق محافظة السويداء. تحركات شعبية محدودة، تحت عنوان الأزمة الاقتصادية، سرعان ما تحولت إلى رفع شعارات سياسية تناسب واشنطن وكل من يتربص بدمشق.
لا خلاف على وجود أزمة اقتصادية حادة تشهدها البلاد، ومسبباتها لا يمكن فصلها عن الحصار الأمريكي والغربي والخليجي والتركي، وقانون قيصر، وكذلك الحصار الداخلي عبر حرمان الشعب السوري من النفط والقمح (بشكل كبير) المسيطر عليهما أمريكيا.
من حق أي شخص التعبير عن الوجع، والباب مفتوح، والكل يتحدث صراحة، ولا أحد ينكر حتى رأس الهرم في الدولة، عن وجود أزمة اقتصادية ومعيشية صعبة، لكن لا يمكن وضع مسببات الأزمة ضمن خانة محددة وغير واقعية، لأن النتائج ستنكون مغايرة لما ينشده البعض.
يكفي سماع خطابات من يقودون التحرك لفهم طبيعته. هو انطلق من الاحتجاج على الواقع المعيشي، لكن سرعان ما رفعت شعارات بائدة كإسقاط النظام ودور إيران وحزب الله في “تجويع” الشعب السوري، وبغض النظر عن أن ذلك مناف للواقع، إلا أن رفع شعارات من هذا النوع وتحويلها إلى تموضع سياسي معادي لدمشق يطرح الكثير من علامات الاستفهام ويجرنا نحو اليد الخارجية، الأميركية تحديدا، التي تعبث بأمن البلاد.
في ظل الظروف التي تمر فيها المنطقة، ومع إعادة واشنطن تعزيز وجودها وتصعيد الاستثمار بتنظيم داعش الإرهابي الذي يتولى إستهداف طرق الوصل بين المحافظات، عمل على تحريك أياد في مناطق حساسة لإشغال دمشق، والمستفيد من تحريك الأطراف هي الدول المعادية، وكذلك الكيان الإسرائيلي الذي يواصل العبث في جنوب سوريا عبر مجموعات تقوم بعمليات اغتيال وقتل ونشر الفوضى في مناطق درعا ومحيطها.
وليس صدفة أن تحرك مجموعات ضمن السويداء، المحافظة ذات الأغلبية الدرزية. وعمل هؤلاء على استغلال وجع الناس بالشكل الذي نراه.
يمكن تلخيص أهداف ما يجري بالتالي:
- إشغال دمشق وإغراقها في أزماتها الداخلية من بوابة الاقتصاد.
- توجيه رسائل بالقدرة على تحريك الأطراف ضد الدولة المركز.
- محاولة حرف الأنظار عن المسببات الرئيسية للأزمة الاقتصادية.
- محاولة خلق رأي عام مناهض للدولة انطلاقا من أطرافها وليس الوسط أو المركز.
- محاولة التهويل بإعادة الأمور جنوبا إلى ما قبل عام 2018، ومن بوابة حساسة هي السويداء.
لا شك أن مجريات الأمور واضحة بالنسبة لدمشق، والأخيرة تتأنى في التعاطي معها وتحاول تطويقها عبر وجهاء المحافظة وقنوات أخرى وهذا أمر ممكن، خصوصا أن التحركات هي محدودة نسبيا ولا تعبر عن وجهة نظر عموم أهالي السويداء، وكذلك عبر محاولة تخفيف عبئ الأزمة الاقتصادية عن المواطنين ليس في حدود المحافظة فحسب إنما على امتداد الجغرافيا السورية.
والأهم، أن ما يجرى تم تشخيصه وفهم أبعاده، وهو لا يشكل تهديدا استراتيجيا على الدولة كما كان الحال في مراحل سابقة.
يبقى الإشارة إلى أن ما يتداول في الإعلام المعادي وتصوير الأمر على أنه ثورة ضد الدولة لا يتخطى نقطة الاستغلال المعتاد لأي تحرك أو حدث يقع ضمن مناطق الدولة السورية، وهو استغلال آني، ناهيك عن أن موقعية دمشق في المنطقة تتبدل شيئا فشيئا ولو كانت تسلك مسارا بطيئا بفعل ضغوط أمريكية على “الأشقاء” العرب.