خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية | خاص – الواقع
بعيدا عن المواقف المتشنجة، وفي لحظة حساسة من تاريخ المنطقة، خرج الإعلان الإيراني – السعودي، برعاية صينية، لإعادة ترتيب العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وأوكلت المهمة إلى وزيري خارجية البلدين لتنفيذ الاتفاق.
بطبيعة الحال، للاتفاق انعكاساته الإيجابية على وقائع المنطقة، ولو بنسب معينة، فهو قد يخدم تقريب وجهات النظر بين أقطاب تتصارع، دون أن يكون بالضرورة حاسما في كثير منها.
الملفت في الجلسة الإيرانية – السعودية التي عقدت في الصين وتم تظهير مقطع مصور منها، هو شكل الوفدين، حيث أخذ طابعا أمنيا بامتياز، فقد ترأس الوفد الإيراني الإدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما ترأس وفد المملكة العربية السعودية مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني. طبيعة الوفد تعطيه بعدا أمنيا بامتياز، وهو ما يؤشر الى تفاهمات تم بموجبها تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بتاريخ 17-4-2000.
لا يخفى أن الاجتماعات التي استضافتها بغداد، وكذلك عمان، كانت أمنية بامتياز، وحاكت الكثير من الأمور، يبقى للجانبين المعنيين الكشف عن فحواها.
على صعيد آخر،إن تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، سيكون لها مردودات اقتصادية للجانبين متى ما تم السير بها، وهي عامل مساعد في زيادة تبريد الأجواء بين البلدين، وما يمكن أن ينسحب على ملفات في المنطقة من خلال الحوار.
التساؤل اليوم حول انعكاس هذا التفاهم على ملفات ساخنة في المنطقة، تحديدا اليمن ولبنان وسوريا. بواقعية، من المبكر الحديث عن امكانية برودة تامة في هذه الملفات استنادا الى استعادة طهران والرياض علاقاتهما، بحيث أنها منفصلة في سياقاتها وخلفياتها وتعدد اللاعبين فيها. لكن يمكن للتقارب الايراني السعودي أن يساهم في تقريب وجهات النظر، مع خاصية لليمن باعتبار أن السعودية هي طرف مباشر في العدوان، كما أن لصنعاء ثوابتها التي لا يمكن أن تخضع لأي حسابات لا تحاكي قرارها الوطني والسيادي، وهو ما يؤكد عليه الإيرانيون في جلساتهم العلنية وغير العلنية. وهنا يمكن استذكار ما حصل في الجولة الثالثة والرابعة في بغداد، عندما أبلغ الإيرانيون الجانب السعودي أن بحث ملف اليمن يحتاج ممثلا عن صنعاء، بل إن باب الحل هو حوار سعودي – يمني.
يبقى القول إن ما صدر من الصين هو خاتمة جولات من النقاس والحوار والوساطات، على مدى ثلاثة أعوام مضت، ولكن لاعلانه من الصين وعبر مبادرة من رئيسيا رمزية أخرى، فهي تؤكد أنه يمكن التوصل إلى حلول بين الدول بمنأى عن الدور الأميركي الذي لطالما يُسيِرُ الأمور وفق مصالحها، وعليه ينتهج أدوارا تخريبية في أمور لا تحتاج إلى جهد كبير، كما هو حال ملفات كثيرة في منطقتنا، على سبيل المثال الأزمة في لبنان التي يغذيها عبر دعم قوى إما بتهديدها أو بترغيبها لمنع انتخاب رئيس للجمهورية وإبقاء الأزمة السياسية مفتوحة.
وعليه، إن التفاهم الإيراني السعودي يعد خطوة جيدة، وهو قد يشكل بداية لمزيد من التهدئة في المنطقة وفق مقاربات واقعية تحاكي موازين القوى، ومراعاة خصوصيات الدول. لكن لا يجب بناء آمال كبيرة والحديث عن انتهاء الصراع، ويبقى للإعتبار الأمني أهميته.