من “القصير” إلى “جدة”!
خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية | خاص – الواقع
عامان مرا، على بدء الحرب الكونية على سوريا، كان الإرهابيون يتدفقون إليها، أموال عربية تغدق عليهم، تسليح وتجهيز وتحريض، إعلام من كل حدب وصوب يوجه سهامه نحو دمشق، عرب وترك وأميركيون وإسرائيليون وغرب لا يتحدثون بشيء سوى بضرورة إسقاط نظام بشار الأسد، كما يصفون، حتى الحل السياسي لم يكن مطروحا، بل تشكيلات معارضة تُعلب وتُعد لاستلام البلد رماداً بعد إسقاطه، وبرامج تدريب وتسليح لإرهابيين تحت مسمى جيش حر، وفصائل تتبع تنظيم القاعدة يزج بها في سوريا وتفتح لها المطارات والحدود.
هذا المشهد سيطر على الفضاء الإعلامي وفي الميدان. كان الارهاب يتمدد، ويُسقط مدناً ويصل حدود دمشق العاصمة، فيما الأرياف تتهاوى شيئا فشيئا. يعترف كثر بأن ما أعد من عديد وأموال وسلاح كان كبيراً جداً.
سوريا، كانت تواجه بكل ما تملك، وجيشها يقاتل حيث هو، وقوافل شهداء تتقدم من عسكريين ومدنيين وغيورين على بلدهم.
حلفاء سوريا كانوا يساندون حيث يمكن، وكانوا يقرأون سياق المعركة، وحيث يجب أن يكونوا تواجدوا، حتى أتى عام الفصل أيار 2013.
المفصل الأول الذي قلب الصورة، وبدأ بهجمة مرتدة ليصل إلى الهدف، هناك في القصير، التي شهدت حضورا لحزب الله في أول ظهور علني واضح له، وبدأت المعركة.
18 يوما من ريف القصير إلى المدينة، تمكن حزب الله والجيش السوري من استعادة زمام المبادرة، تحررت القصير وبعدها الخالدية في حمص، ولاحقا امتد القتال إلى القلمون وجرودها وجرود عرسال ورنكوس ويبرود وكل السلسلة الشرقية، وكسب في ريف اللاذقية وكثير من قراها، ومن ثم أطراف العاصمة دمشق وريفها، فالوسط لاحقا، فحلب وأريافها الجنوبية والشرقة وبعض الغربية، ثم تدمر فالبادية فدير الزور، إلى الميادين والبوكمال، وعودة إلى غوطة دمشق الشرقية، فجنوب سوريا حتى درعا والقنيطرة وخان أرنبة آخر قلاع الإرهاب في السلسلة الشرقية، فتحرير الوسط السوري وتظهيره، ثم أرياف إدلب الجنوبيه وأكثر ريف حلب الغربي، وها هو العام 2020 يطل.
سبعة أعوام سجلت فيها أقصى المعارك وأشرسها. الإرهاب الذي قال “جون كيري”، وزير الخارجية الأمريكي الاسبق، إنه يحتاج إلى عقود من الزمن، ضربه حلفاء سوريا وجيشها في سبع سنوات.
سقط الإرهاب بالضربة القاضية، وما تبقى منه رهن إشارة تحتاج لظروف قد تتهيأ في أي وقت.
سقط الإرهاب، فاشتد الحصار، وأطل “قيصر” الأمريكي برأسها، مصوبا نحو أعناق السوريين، أراد خنقهم وخنق دولتهم ومن يعاونها، لكن سوريا أصبحت أكثر ثباتا، تتمسك بثوابتها وقرارها السيادي وكرامتها الوطنية.
نجحت سوريا في الثبات، وقيصر يحيط بها، حتى استفاق كثر ممن طعنوا في جسدها من أخوة عرب، وأرادوا تمزيقه كلٌ لهدفه ومبتغاه، فبدأوا يعودون إليها ولو بشيء من الخجل أو ضمن عناوين تحفظ لهم ماء الوجه كي لا يقروا بفشلهم. استفاقوا على أن سوريا حاجة عربية، ولا بد من حضورها وعودتها وعودتهم. مدوا يدا فلاقتهم سوريا بيد مثقلة بالجراح، لكنها ثابتة وصلبة في مواقفها، فأتوا زائرين، وأمسكوا بتلك اليد لتعود دمشق إلى دار جامعتهم وتتسيد مقعدها كما كانت، حرة في قرارها السيادي، متماسكة وصلبة.
عادت الجامعة إلى سوريا، على بعد خطوة زمنية قصيرة من قمة الزعماء والرؤوساء والملوك العرب، هناك في جدة السعودية.
وفي جدة أطل بشار حافظ الأسد، ذاك الفتى العربي الذي نازل من طعنوا بلده، بصدق وصلابة، ليخطب فيهم جميعا باسم سوريا المنتصرة، القابضة على جرحها وباسم كل عربي حر شريف مقاوم.
باختصار، بدأت الرحلة من القصير وانتهت هناك في جدة.