واشنطن تعيد تموضع قواتها في سوريا .. لا انسحاب كليا ولا مس بوظيفة القواعد الإستراتيجية
خاص الواقع | خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية
عند اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في السابع من اكتوبر عام 2023، ومع حشد واشنطن قوات في المنطقة بحرا وبرا بهدف ما أسمته يومها “ردع إيران وحلفائها” ولمنع توسع الحرب خارج نطاق غزة حيث أعلنت “إسرائيل” حالة الحرب، بدأت تتكشف للعيان، حقيقة وجود القواعد الأميركية – غير الشرعية – في سوريا، وطبيعة عملها والأسباب الرئيسية التي أنشأت لأجلها، وعلى رأسها دعم وحماية “أمن إسرائيل” وتعزيز “المصالح الأميركية” في المنطقة ككل، حال وقوع اشتباك أو حرب كبرى.
وكان للقواعد الأميركية في سوريا دورا بارزا في التصدي للهجومين الإيرانيين عام 2024، وهو ما لم يخف نفسه، بل جاهر به الأميركيون.
وقد عززت تلك القواعد، خصوصا الرئيسية منها، منذ ما قبل السابع من اكتوبر 2023 بأنظمة إنذار مبكر، ودفاعات جوية متطورة، ومراكز عمليات وسيطرة، وطائرات حربية ومروحية وأمور أخرى، وهو أمر ربطه الأميركيون بمحاربة تنظيم داعش، لكن الوقائع أثببت عدم صحة تلك المبررات.
قبل أيام، تحدثت صحيفة “يديعوت أحرنوت”، نقلا عن مصادر، عن سحب واشنطن معدات وقوات من سوريا، قبل أن تنقل يوم الخميس 18-4-2025 صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم تقليص عديد القوات في سوريا إلى 1500 جندي، وتفكيك ثلاث نقاط صغيرة – أسموها قواعد صغرة – وهي: نقطة قرية جرين، نقطة الفرات، ونقطة ثالثة لم تسمها، مع إخضاع الخطوة للتقييم بعد شهرين. وهو ما يعني عدم المس بالقواعد الرئيسية سواء في التنف، أو في شمال شرق البلاد.
الأسباب الواقعية للخطوة الأميركية:
لطالما ربطت واشنطن وجودها العسكري غير الشرعي في سوريا بمحاربة تنظيم داعش، أو عودة تهديده، لكن الوقائع خصوصا بعد انتهاء سيطرة التنظيم على أي بقعة جغرافيا بعد عام 2019، أثبتت أن الوجود مرتبط بمواجهة إيران وحلفائها، وكذلك وبشكل أقل الوجود الروسي، وهو ما تبينه الوقائع والممارسات والسلوك الأميركي.
خلال الأعوام الأخيرة، ومنذ عام 2019، أجرت واشنطن أكثر من تموضع عسكري وأمني، وعززت قواعدها، بل وعملت على إنشاء قواعد جديدة، وتوسيع أخرى، وفي تلك المرحلة كان الجزء الأهم من دور القواعد مرتبط ب “ردع” قوى المقاومة التي كانت ترابض في مناطق استراتيجية غرب نهر الفرات، ناهيك عن مهام أخرى مرتبطة ب “أمن إسرائيل” وتأمين سطوة أميركية جوية على مناطق واسعة من البلاد.
أجرى الأميركيون عام 2019 و 2020، وأواخر عام 2021، وما بعد السابع من أكتوبر عام 2023، وعند عمليتي الوعد الصادق الإيرانيتين إعادة تموضعات أمنية وعسكرية، كانت تحاكي تطورات المنطقة، لكن إعادة التموضع الحالي يمكن اختصار أهدافه في التالي:
- يأتي ما بعد سقوط النظام السوري وسحب إيران مستشاريها وخروج قوى المقاومة من سوريا وتراجع الدور الروسي وانحساره، ما يعني زوال ما كانت تقيمه واشنطن على أنه “التهديد الأبرز”.
- تخفيف القوات من بعض النقاط في سوريا يحمل أبعادا لوجستية غير ذات قيمة استراتيجية.
- تعزيز الوجود العسكري والتقني في مناطق أخرى غرب آسيا خصوصا مع التصعيد ضد اليمن واحتمال التصعيد ضد إيران.
تقليص قوات لا يمس استراتيجية واشنطن
لا يعد تقليص عديد القوات وتفكيك بعض المنشآت مسا باستراتيجية واشنطن في سوريا والمنطقة والتي لم تتبدل مع تبدل الإدارات في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2011، إذ أن الوظيفة الاستراتيجية للقواعد ثابتة.
ولطالما عملت واشنطن وفق قاعدة، تخفيض القوات من أجل بقاء طويل الأمد، وهو ما كان ضمن رؤية “كينيث ماكنزي” قائد القيادة المركزية الوسطى في الجيش الأميركي، والتي طبقت عام 2019، وعززت لاحقا، إذا يمكن تعزيز القواعد والقوات بما يستلزم التحديات عند الحاجة، وهو ما حصل بعد أحداث السابع من اكتوبر أكثر من مرة، وفي ظل نتائج الحرب المستمرة، لا يبدو أن إبقاء التعزيز السابق على ما هو عليه أمر فاعل.
وعليه، إن إعادة تموضع القوات وسحب جزء منها وانهاء دور بعض النقاط وتفكيكها – حصل سابقا عام 2019 في شمال البلاد تزامنا مع عملية نبع السلام التركية – تغييرا في استراتيجية واشنطن سواء في سوريا أو المنطقة.
إن عملية تقليص قوات، معلن عنها، تخدم توجهات إعلامية بالدرجة الأولى، وعليه لا يجب تفسير ما سرب عبر مسؤولين على أنه انسحاب من سوريا، خصوصا أن واشنطن لا زالت ترعى ميليشيات محلية، كما أنها تضغط على السلطات الجديدة بهدف تحصيل مكتسبات اقتصادية وسياسية، وشرعنة تموضعها في سوريا ضمن رؤية “الردع الإقليمي” وخدمة لمصالح أمنية إسرائيلية.