افتتاحية الواقعالواقع السوريتحليلات

“تل أبيب” لدمشق: طريق التفاوض مسدود، اتفاق أمني بلا انسحاب و”الأرض مقابل السلام”!

خاص الواقع | خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية

لم تكن تعبيرات أحمد الشرع، الرئيس الإنتقالي بقرار إقليمي – دولي، حول الاحتلال الاسرائيلي لقمة جبل الشيخ ومناطق واسعة في الجنوب السوري بعد انهيار النظام السابق، التي تمحورت حول طمأنة “تل أبيب” ووصف احتلالها بالتوغل، والإشارة إلى زوال الخطر عنها بعد خروج حزب الله وإيران من سوريا، وفق وصفه، كافية لترسيخ واقع جديد يقوم على مبدأ السيادة و “حسن الجيرة” واحترام الاتفاقات الأممية وخصوصا “فض الاشتباك” الذي تلى حرب عام 1973.

كان واضحا، منذ البداية، أن الشرع ومن يحيطون به لا يملكون القدرة على إدارة صراع من هذا النوع، وهم يفتقدون إلى القدرة على فهم “طبيعة إسرائيل” وتوجهاتها السياسية، بل وأهدافها بعيدة المدى، ربما بسبب انشغال هؤلاء بقضايا أخرى، وقراءة واقع المنطقة من زاوية محددة تحقق لهم مصالح حزبية أو شخصية و”أيديولوجية”.

منذ اليوم الأول لوصول “الشرع” إلى دمشق، عمد الأتراك إلى بدء ترتيب البيت السياسي السوري، قبل أن يتولى الأميركيون ضبط مسارات إدارة الشرع، وعملوا على إدارة صراع بين “تل أبيب” وأنقرة، من ضمنه حفظ أمن “إسرائيل” والمساعدة في تحقيق مكاسبها جنوب سوريا، عبر الدفع نحو تفاوض غير مباشر بداية، قبل أن يتحول إلى مباشر لاحقا، بين تل أبيب ودمشق يفضي إلى “اتفاق أمني” جنوب البلاد، يعطي الإسرائيليين يدا عليا، عبر منطقة منزوعة السلاح بالكامل، وفق بعض التقارير تصل إلى تخوم العاصمة دمشق.

أعلنت “إسرائيل” رغبتها بذلك علنا، ووقعته بحبر الدم السوري حين نصبت نفسها حامية للدروز جنوب البلاد وعند تخوم العاصمة، وأدخلت آلتها العسكرية الجوية لتستهدف قادة ووحدات الشرع التي كانت تزحف نحو السويداء، لثتبت “إسرائيل” نفسها، طرفا في اتفاق، رعته واشنطن وعمان، كان يفترض أن يكون بين السوريين.

رغم تلك الأحداث، التي بموجبها قصفت “تل أبيب” أيضا مقر رئاسة الأركان وسط العاصمة دمشق، ومحيط قر الشرع نفسه، إلا أن الأخير قرر خوض التفاوض المباشر، عله يحقق ما يراه حلا منطقيا يفضي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية إلى حدود المنطقة منزوعة السلاح في الجولان المحتل، أي العودة إلى الوضعية التي كانت عليها الأمور قبل انيهار النظام السوري السابق، وهو ما عبر عنه في واشنطن في زيارته التي استقبله خلالها الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” في البيت الأبيض، عبر البوابة الخلفية.

تعلن “تل أبيب” صراحة،  إن عبر وزير حربها يسرائيل كاتس، أو مسؤولين آخرين عن عدم النية للإنسحاب، خصوصا من قمة جبل الشيخ، التي اعتبر “كاتس” نفسه أنها أستعيدت بعد 51 عاما، وهو مؤشر على تصرف “إسرائيل مع مناطق احتلتها، منها القمة، على أنها أرض “إسرائيلية”.

بالأمس، وفي توقيت حساس، وبعد زيارة الشرع إلى واشنطن التي كان من المفترض أن تحمل “بشرى” توقيع الاتفاق الأمني مع “تل أبيب”، تنقل هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر إشارتها إلى أن “المفاوضات مع سوريا من أجل التوصل إلى اتفاق أمني قد وصلت إلى طريق مسدود”، وأن “اسرائيل رفضت طلب الشرع الانسحاب من المناطق التي احتلتها بعد سقوط النظام السابق”.

لكن الأخطر بما صرح به المصادر هو ربط الإنسحال بتوقيع “اتفاق سلام كامل” مع سوريا، وهو ما يعني أن تل أبيب قفزت فوق السعي إلى “اتفاق أمني” ترى أنه حققته على الأرض دون توقيع مع دمشق عبر وجودها واحتلالها الآخذ بالإتساع، وحرية الحركة التي تتمتع فيها في الأجوا السوري، وإيجاد عمق لها في السويداء بعد رسم خطوط حمر للحكومة السورية هناك.

ولا ينفصل السقف المرتفع إسرائيلية،  عبر العودة إلى مبدأ “الأرض مقابل السلام”، الذي فاوض العرب على أساساه لعقود من الزمن، عن مسعى ترامب ودول عربية أخرى إلى فرض “اتفاقات تطبيع” وتوسيع “الإتفاقات الأبراهمية”، بما يحقق مصلحة “إسرائيلية” وتفوقا أمنيا لها، وسطوة تمنحها، عبر القوة، تسييد المنطقة في مختلف الأبعاد.

إن النعي الإسرائيلي، ولو لم يصدر بشكل رسمي، هو مؤشر على حجم المخاطر التي تتعرض لها سوريا، ومستوى الإبتزاز لها والذي تلاقيه الإدارة الجديدة بمزيد من التنازلات بدلا من البحث عن خيارات أخرى لاستعادة الأرض والخروج من حالة “الامن الوهمي” الذي تسوقها للشعب السوري، ولا يرى منها إلى المزيد من السقوط والتراجعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى