هجوم يمني “شرس” .. صاروخ يصيب مطار “بن غوريون” يهز “نتنياهو ويعيده الى ما قبل “ضرب الحديدة”
خاص الواقع | خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية
في العشرين من يوليو عام ٢٠٢٤، وبعد سلسلة ضربات يمنية للعمق الإسرائيلي توجت بمسيرة يافا التي ضربت هدفا “أمنيا” في تل أبيب، اقلعت طائرات حربية من مختلف الصنوف لتغير على منشآت نفطية في الحديدة غربي اليمن، في أول هجوم إسرائيلي مباشر على اليمن، وأول هجوم بعيد المدى عبر سلاح الجو الإسرائيلي في تاريخ الكيان.
يومها، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” ومعه أكثر من مسؤول، على رأسهم رئيس الكيان، ليباهوا بالهجوم ويعتبرنه بداية لعمليات واسعة في المنطقة، ويومها أيضا وظف الإسرائيليون مشاهد الدخان الأسود المنعث من مكان الغارات المعادية لتوجيه رسائل لمحور المقاومة، عبر القول: هذا الدخان المنعث يجب أن يشاهده الجميع في الشرق الأوسط، في إشارة إلى إيران، سوريا، وحزب الله.
مضى عام من الحرب المفتوحة، لا يمكن إنكار حصول متغيرات، منها إسقاط النظام في سوريا، وحرب شعواء على لبنان غير بعض قواعد الاشتباك “مؤقتا”، فيما تبادلت طهران و “تل أبيب” ضربات لم تخلق حالة ردع إسرائيلية، بل أبقت طهران متحررة من الصبر الاستراتيجي ومواصلة تحرير القوة دفاع عن طهران، وهو ما حد من المشاغبة الإسرائيلية اتجاهها بغض النظر عن الدعاية التي تمارسها تل أبيب، الساعية إلى توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية، ولكن بدعم ومشاركة أميركية، وهو ما لم سحصل حتى الساعة رغم فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، حيث رغم تهديداته اتجاه طهران، شرع في فتح محادثات معها يقول الطرفان إنها بناءة وإيجابية، وهو ما يزعج “نتنياهو” الطامح نحو توجيه “الضربة الحلم”.
المتغيرات الإقليمية، وفق الدعاية الاسرائيلية، قد تصرف لدى ضعاف النفوس، أو من يشاهدون حجم الجرأة الإسرائيلية، المترافقة مع مرحلة ليست بالهينة لدى قوى المقاومة، التي يمارس بعضها صبرا تفرضه الظروف، ولكنه ليس إلى ما لا نهاية.
هذه المتغيرات، لم تنسحب على اليمن، البلد الذي شرع منذ ١٨-اكتوبر -٢٠٢٣ على فتح جبهة إسناد للمقاومة في فلسطين، تشهد تطورا دائما على الصعد كافة، منها القدرة العسكرية الغامضة بالنسبة للغرب و “إسرائيل” حيث تمارس صنعاء مناورة عملية تصعب من معرفة ما تمتلكه وما تشرع في تطويره وقدراتها النارية وأمور أخرى.
أبقى اليمن على عمليات الاسناد، عبر استهداف العمق الإسرائيلي، ومنع الملاحة البحرية الإسرائيلية حيث تطال يده في البحر الأحمر والعربي.
خلال المرحلة الأخيرة، ومع استنئاف نتنياهو وفريقه، بدعم أميركي الحرب على قطاع غزة، استأنفت صنعاء عملياتها، ما دفع واشنطن الى فتح حرب عبر ضربات جوية تستهدف الاعيان المدنية ومرافق حيوية في اليمن، في محاولة لتخفيف الضغط على تل أبيب، بل ومحاولة إنهاء التهديد، فماذا كانت النتيجة؟
من يراقب مسار ما بعد استئناف الحرب على غزة، يرى أن جبهة اليمن في تصاعد إسنادي، بل إنها تفرج عن قدرات عسكرية جديدة، دون الاعلان عنها، تتمثل بفهم طبيعة عمل الدفاعات الأميركية والإسرائيلية والعربية ما يسمح بتخطيها، وهو ما يفسر نجاح الضربات الصاروخية على امتداد فلسطين المحتلة من شمالها إلى جنوبها، لكن الضربة الاخيرة التي استهدفت مطار “بن غوريون” تعد مفصلا. هكذا يتعامل معها “نتنياهو”الذي توعد برد في الزمان والمكان المناسبين، ضد اليمن وكذلك طهران كما قال، واصفا الهجوم ب “الشرس”.
واقعا، تجد “تل أبيب” نفسها قد عادت إلى ما قبل هجوم الحديدة الأول، والذي أرادته بداية لمتغيرات الإقليم، بما يعني أن “التهديد” لم يتبدد، بل يثبت ويتعاظم في جبهات عدة، على رأسها اليمن، الجبهة البعيدة من حيث المسافة، القريبة من حيث التأثير والتهديد، والمتحررة من كثير من القيود.
تحاول، تل أبيب، وكما اشرنا في مقالات سابقة، التعمية على تأثير جبهة اليمن، لكنها تجد نفسها اليوم مضطرة على الاعتراف بتأثيرها، إن سياسيا أو أمنيا أو في البعد الاقتصادي، وهنا النقطة الأساس.
هي ضربة قد تشكل فاتحة لتصعيد أكبر وربما توسيع صنعاء مروحة الاستهداف، كما ونوعا، خصوصا أنها تراقب مسار العدوان على غزة، مع خطوات إسرائيلية واضحة لتوسيع العمل البري.
العبرة أن صاروخا واحدا، ينطلق من اليمن، يتخطى دفاعات جوية متطورة، امريكية وإسرائيلية، فماذا لو أطلقا موجات صاروخية نحو أكثر من هدف على امتداد فلسطين؟ لعل هذا أبرز ما يشغل الإسرائيليين، خصوصا أمام العجز في منعه.
ومع توجه العين نحو الخطورة الآتية من اليمن، والتي أعادت “إسرائيل” إلى الوراء، تبقى العين الإسرائيلية متوجسة ومتوجهة نحو طهران، القادرة على توجيه ضربات صاروخية أضخم وأعمق وأكثر صعقا وتأثيرا، وهو أحد ادوات الردع الإقليمي في مواجهة تل أبيب وواشنطن.
يبقى القول، إن اليمن يعزز من بسط دوره الإقليمي، بما لا يمكن لأي دولة تخطيه، وهو ما يعد نقطة رابحة لليمن لقوى المقاومة ومحورها في المنطقة.
إن دور اليمن، المنطلق من مفاهيم دينية وأخلاقية، وبني بواسطة قرار سيادي يمني بحط، بات أكثر فعالية في ردع الكثير من الخطوات المعادية التي تشكلها أميركا وإسرائيل في المنطقة، ودول أخرى تدور في فلكها، وهو ما تكشفه الوقائع الشاهدة أمامنا، والأيام كفيلة بكشف خبايا الكثير من الوقائع والمجريات الحالية.



