الواقع الإقليمي والدوليتحليلات

وساطة تركيا في مفاوضات عُمان الإيرانية ـ الأميركية… الاستقرار في المنطقة أولاً

خاص الواقع | عبد الناصر فقيه ـ مختص في الشؤون التركية.

ترى أنقرة أن الجزء الأهم من قدرتها على النفوذ والانتشار داخل منطقة غرب آسيا يبدأ أولاً من الاقتصاد، وهذا الجزء لا يمكن تحقيقه إلا عبر بوابة الاستقرار والسيطرة على الصراعات أياً كانت الأطراف فيها (عربية ـ إسرائيلية أو فلسطينية ـ إسرائيلية أو عربية ـ عربية أو عربية ـ إيرانية أو أميركية ـ إيرانية)، ولطالما كانت مفردة “الاستقرار” ووقف الحرب تغطي مساحات واسعة من تصريحات المسؤولين الأتراك، بل تخفي في طياتها قلقاً أو خوفاً من اتساع رقعة الحرب في المنطقة التي تعد إمتداداً حيوياً لبلاد الأناضول من جهة الجنوب.

منذ السابع من أكتوبر 2023 (معركة “طوفان الأقصى”)، تخوف القادة الأتراك من “اتساع رقعة الحرب” ودخول جبهات مختلفة إلى جانب الفلسطينيين في المعركة مع “إسرائيل”، وصولاً إلى تصاعد هذا المنسوب من التخوف عند التراشق الناري الإيراني ـ الإسرائيلي (عمليتي “الوعد الصادق” الأولى والثانية 2024)، حين شاهدت أنقرة الصواريخ الإيرانية العابرة ومقذوفات القبب الاعتراضية الإسرائيلية (والغربية) تضيء سماء غرب آسيا، حين قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن “القلوب وصلت إلى الحناجر” خوفاً من تطور هذا التراشق إلى حرب شاملة في المنطقة.

من هذه الزاوية يمكن فهم مقاربة القيادة التركية (سابقاً وحالياً) لأي مفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تعول أنقرة على المفاوضات بين واشنطن وطهران في مسقط، بوصفها بداية طريق للتهدئة في المنطقة عقب نحو سنتين من التوتر بين جبهة إيران وحلفائها مقابل التحشيد الأميركي بالتعاون مع الحلفاء المرافق للحرب الإسرائيلية في غزة، وصلت ذروتها إلى تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالهجوم المباشر على الدولة التي قلبت عرش الهيمنة الغربية في منطقة الخليج منذ نحو 46 عاماً، بل إن ما رشح من كلام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لـ”سي إن إن تورك” (10-04-2025) يؤكد القيام بواسطة ما قبيل إنعقاد أولى جلسات التفاوض غير المباشر بين الدولتين في سلطنة عُمان.

وفيدان المتمرس سابقاً في الاستخبارات ولاحقاً في ميدان الدبلوماسية، كشف عن إبقاء قنوات “الاتصالات مع إيران والولايات المتحدة”، وأنه تحدث مع إيران “قبل وبعد زيارته الأخيرة للولايات المتحدة”، وإن كانت “نصيحته” للإيرانيين القيام بالمفاوضات “وجهاً لوجه في أقرب وقت ممكن”، فإنه أيضاً كان واضحاً في رسالته (وهو الممثل لدولة حليفة أطلسية) إلى الأميركيين بأن “أي عملية عسكرية ضد إيران لن تؤدي إلا إلى عدم الاستقرار في المنطقة”، ومن دون أن يكملها علناً، فإن هذه العملية لن تحسم أو تنجز أي شي لإدارة ترامب تحديداً، فالمشكلة التي تكاد تجمع عليها الأطراف أن “المشكلة يمكن حلها دون استخدام القوة” كما يقول وزير الخارجية التركية.

وفي الصحافة ووسائل الإعلام التركية أخذت مفاوضات عُمان حيزها، وكتب الباحث في “معهد الشرق الأوسط” بجامعة صقاريا التركية كمال إينات أن “التركيز على المواجهة ضد الصين جعلت ترامب غير مستعد للدخول في صراع مباشر مع إيران”، ويرى أن صناع القرار في طهران يعلمون أن الرئيس الأميركي “يعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية الأميركية والحرب (الاقتصادية) ضد الصين، على مهاجمة إيران (كما يريد الإسرائيليين)، ولهذا السبب قبلوا عرض المحادثات”، بينما يقول رئيس مركز الدراسات الإيرانية (إيرام) سرحان أفاجان أن “فريق ترامب ليس لديه خبرة في التفاوض مع طهران” على العكس من الإيرانيين، وبينما “يريد ترامب الحصول على نتائج سريعة من المحادثات” فإن “طهران تنتهج موقفا يهدف إلى إبطاء عملية التفاوض من خلال الحصول على تنازلات حاسمة في الاتصالات الدبلوماسية”.

وبينما قدمت تركيا دوراً فعالاً في المفاوضات النووية بين إيران والغرب في ما مضى، فهي قد تكون مستعدة لتولي دور أكبر لتسهيل أو دعم هذه المفاوضات، وبينما تراقب وتتابع عن قرب تطورات وآفاق محادثات عُمان، فإن عينها على تحقيق هدف المساهمة في الاستقرار الإقليمي عبر الشراكة في حلول دبلوماسية، بما يتماشى مع مبادئ سياستها العامة التي تعتبر أنها ستحقق أهدافها الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى