“تل أبيب” تبدأ “تصعيداً مضبوطاً” جنوباً .. وحزب الله: لا للتفاوض والمقاومة حق!
خاص الواقع | خليل نصرالله – كاتب سياسي مختص في الشؤون الإقليمية
لا يمكن فصل التصعيد الإسرائيلي “المضبوط”، حتى الساعة، جنوباً عن موقف حزب الله المتقدم من مطلب التفاوض المباشر بين “تل أبيب” وبيروت الذي تدفعهُ إليهِ واشنطن مستغلة مرحلة ما بعد الحرب وما تحقق خلالها لصرفهِ استراتيجياً بما يُحقق التفوق النوعي وبسط الإرادة الإسرائيلية على معظم دول المنطقة، خصوصاً دول الطوق.
وتأتي “إنذارات الإخلاء” الإسرائيلية لأربعِ مبانٍ في أربعِ قرى جنوب لبنان تمهيداً لقصفها بذريعة استهداف مقدرات عسكرية لحزب الله، في وقت كان يبدي فيه لبنان على لسان رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون استعداداً للتفاوض دون تحديد شكله وتوقيته، لكن مع التأكيد أنّه بهدف وقف العدوان حصراً وتأمين انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب وإطلاق سراح الأسرى، وهو ما لا يخرج عن إطار اتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، الذي يتمسك به لبنان وكذلك حزب الله.
لكن عدوان الخميس، بشكله وأسلوبه، رغم أنه مكرر، والذي أتى بعد ساعات من كتابٍ مفتوحٍ وجهه حزب الله إلى الرؤساء الثلاثة، يحدد فيه موقفه الرافض للتفاوض، ويؤكد فيه على حق المقاومة المشروع في الدفاع عن لبنان وأنّ ذلك لا يدخل ضمن قرار السلم والحرب، دفع رئيس الجمهورية إلى القول إنّه “كلما عبر لبنان عن انفتاحه على التفاوض السلمي لحل القضايا العالقة مع “إسرائيل” أمعنت في عدوانها على السيادة اللبنانية”، ما فُسِر على أنه تأكيدٌ على فشل منطق تقديم أوراق “حسن نية” بضغط من الأميركيين، وأن السبيل هو مواجهة الضغوط بموقفٍ جامع، كما أنّهُ أشار بشكلٍ لا لبس فيه إلى أنّ المشكلة في “تل أبيب” وليس العكس كما تحاول أوساط لبنانية تتبنى المواقف الأمريكية والإسرائيلية التي ترى المشكلة في حزب الله وسلاحه.
وحول ما جرى أمس من سلسلة اعتداءات، يتضح أنّ “إسرائيل” سلكت مسار ضغط قد ترفع من منسوبه تباعاً، بشكلٍ مضبوط، دون أن تذهب إلى حربٍ واسعة قد لا تحقق لها نتائج أفضل مما حصلتهُ سابقاً، بل يمكن أن تأتي النتائج عسكية وتفقد “حريّة عملها” التي فرضتها ظروف المرحلة السابقة التي ألمت بالإقليم.
أما هدف الضغوطات العسكرية، وتوجيه ضربات في عمق الجنوب بل وعمق لبنان، فيمكن تلخيصلها بثلاثة أمور:
– إضعاف قدرات حزب الله التي تعود للتنامي والتعافي وهو ما لا يخفيه الحزب نفسه.
– الضغط على حكومة لبنان لتنفيذ قرار “حصر السلاح” المتخذ في 5 آب/أغسطس الماضي عبر تكليف الجيش بالمهمة ولو أدت إلى صدامٍ مباشرٍ.
– دفع لبنان نحو تفاوض سياسي تحت النار يتخطى اتفاق نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تحقق “إسرائيل” من خلاله متطلبات أمنية جنوب لبنان تكون شريكة فيها على غرار الجنوب السوري حيث تعد طرفاً في اتفاق “السويداء”.
صحيح أن تحقيق الأهداف أعلاه ليست بالسهلة ومحفوفة بالمخاطر، وأن الاندفاع نحو حرب واسعة ليست قراراً سهل الاتخاذ والتنفيذ بغض النظر عن عناوينه، لكن الصحيح أيضاً بأن “إسرائيل” ستواصل المبادرة في الهجوم وابتداع أساليب عدوانية “ضاغطة” تكبل أيدي المقاومة في لبنان من جهة، وتبقي على حالة اللا أمن من جهة أخرى، وهو ما سيبقي الجنوبيين خصوصاً واللبنانيين عموماً تحت حالة من الضغط المباشر والمتتالي.
لا شك بأن المرحلة تعد الأكثر حساسية خصوصاً أنّ ثمة مراوحة ميدانية وسياسية خيمت على الأجواء خلال المرحلة الماضية، ولذلك فإنّ إدارتها تحتاج إلى دقة لمنع تفاقم الوضع من جهة، ومن حهة أخرى لمحاولة صد الضغوط ولو أمام دفع كلفة اضطرارية.




