لماذا تدخلت “إسرائيل” عسكريا إلى جانب “الدروز” في سوريا؟
خاص الواقع | خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية
لم تكن مفاجئة الحركة الإسرائيلية في أشرفية صحنايا عصر يوم الأربعاء، بقصف من مسيرات وطائرات حربية لم تغادر الأجواء، والتي تلت اجتماعا أمنية ترأسه “بنيامين نتنياهو” وبموجبه وضع سلاح الجو في حال تأهب لدعم مجموعات مسلحة تنتمي إلى الطائفة الدرزية في ووجه هجمات شنتها مجموعات مسلحة سورية منها ما يتبع للسلطات الحالية ومنها لفصائل أخرى جرى تعبئتها من مختلف المحافظات، في مشهد مشابه لما حصل في الساحل السوري قبل شهر.
الإشتباك، أتى على خلفية تسجيل لشخص مجهول إدعى أنه من الطائفة الدرزية، كال فيه شتائم طالت رسول الله محمد (ص)، ما استدعى تجييشا طائفيا نفذته مجموعات سورية، سرعان ما تحول إلى هجمات دامية طالت أكثر من منطقة يقطنها سوريون ينتمون للطائفة الدرزية.
وما تلى الهجمات طرح الكثير من علامات الإستفهام حول من يقف خلف تأجيج الفتن المتنقلة داخل سوريا، وكذلك مسارعة “الكيان الإسرائيلي” من أعلى الهرم إلى أسفله إلى اتخاذ موقف إلى جانب “دروز سوريا” تحت عنوان “حمياتهم” وهو تكرار لموقف سابق كان عبر عنه رئيس وزراء الاحتلال “بينامين نتنياهو” ووزير حربه “يسرائيل كاتس”، في الأول من آذار من العام الجاري، عندما أصدرا بيانا مشتركا، على خلفية أحداث حصلت في مدينة جرمانا بريف دمشق وقالا فيه إنهما أعطيا “الجيش تعلميات لحماية سكان جرمانا وأنه لن يسمح للنظام الاسلامي المتطرف في سوريا بالمساس بالدروز” وأنهما “سيضربانه في حال المساس بالدروز في جرمانا”.
وبين بيان الاول من آذار، وأحداف أشرفية صحنايا يوم الأربعاء في الثلاثين من نيسان، ثمة تهديدات للسلطات الجديدة في سوريا، صدرت على لسان “كاتس” ورئيس الأركان الجديد، ومسؤولين آخرين، في وقت قابلتها السلطات الجديدة بقيادة أحمد الشرع، بمزيد من الطمأنة ل “تل أبيب” بأن الأراضي السورية لن تكون منطلقا بأي أعمال ضدها، وعملت على اعتقال شخصيات فلسطنية تتبع لحركة الجهاد الاسلامي واتهام حزب الله بأي أعمال تحصل عند الحدود.
لكن ما هي خلفيات الإهتمام الإسرائيلي بمسألة الدروز تحديدا، علما أن أكثرهم يعادي تل أبيب ويناصر القضية الفلسطينية؟
لم تعد “تل أبيب” تعمل تخفي مطامعها أو أهدافها، هي علنا تتحدث عن منطقة أمنية جنوب سوريا، تمتد نفوذا حتى أسوار العاصمة دمشق، فيما حضوريا تصل إلى مناطق خارج القنيطرة، مع الاحتفاظ بحرية حركة في بعظ مناطق محافظة درعا وأقصى ريف دمشق، بذرائع “أمنية”.
واقعا، إن تل أبيب تهدف إلى ثلاثة أمور:
الأول: إنشاء منطقة أمنية عازلة تحمي حدود كيانها، يكرن عصبها المكون الدرزي، وبذلك تتخذ “تل أبيب” من الدروز درعا أمنيا يحقق مصالحها.
الثاني: ما تعبر عنه تل أبيب صراحة وهو التمدد “التركي” إذ ترى بأن أنقرة تتمتع بنفوذ قوي لدى السلطات الجديدة في دمشق، بل يذهب البعض للقول إن الإدارة السورية الجديدة تسير وفق ما تريده أنقرة وقد تمنحها حضورا عسكريا مباشرا عبر قواعد عسكرية ترى إسرائيل إنها ستعيق حركتها.
الثالث: إيديولوجيا السلطات الجديدة، إذ ترى فيها تل أبيب خطرا مستقبليا، خصوصا أنها تحمل توجهات “إسلامية متطرفة”، كما عبر نتنياهو وكاتس، وبالتالي يجب إخضاعها وإبقائها في حالة من اللاإستقرار الداخلي، بما يبعد الخطر عن تل أبيب.
وإضافة إلى الأمور الثلاثة، فإن هناك خشية في تل أبيب من أن تقوم السلطات الجديدة أو فصائل إسلامية مسلحة، من التقارب مع قوى المقاومة في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تشكل خطر كبير على “أمن إسرائيل” قد يفوق الخطر الذي شكله محور المقاومة بالصيغة التي كان قائما عليها، وهو أمر لا يسقط من الحسابات الإسرائيلية، خصوصا أن ثمة أمرا جامعا بين هؤلاء وهو “القدس المحتلة” والبعد الإسلامي والديني للقضية الفلسطينية.
وعليه، إن منع التدخل الإسرائيلي بالشكل الذي نراه يقع على عاتق الجميع في سوريا دون استثناء، ويحتاج إاى موقف من قبل محتلف الأطراف، وخصوصا السلطات الجديدة أقله عبر وقف منح “إسرائيل” جوائز “تودد” وطمأنة الشعب السوري من مختلف الطوائف، مع ضرورة لفت النظر إلى أن أحد مسببات تمسك كل طائفة وفصيل بسلاحه هو التصرف مع أحداث الساحل التي شهدت تجيشا طائفيا خلف مذبحة لم تخف نفسها.
إن “إسرئيل” تعمل صراحة وفق مصالحها الأمنية وأمور تتعلق بالإيديولوجيا لا يخفيها أي مسؤول بمن فيهم نتنياهو الذي تحدث مؤخرا عن “تحرير يافا” قبل مائة عام وليس احتلالها، كما قال.
إن سقوط الجنوب السوري سيعني تمدد الإستيطان، لذا فإن تعطيل المشروع يتطلب الوحدة السورية لا لتمزق الذي للأسف هو الطاغي حتى الآن.