اشتباكات شرق سوريا .. واشنطن مرجعية وضابط إيقاع!
تحليل – خاص الواقع
قبل عامين، خرج الحديث عن مسعى أميركي لتشكيل جيش من العشائر العربية شرق الفرات، يتموضع من شمال ريف دير الزور الشرقي إلى جنوبه حتى حدود البوكمال (منطقة الاشتباك الحالية)، بهدف إعطاء “العشائر العربية” دورا رياديا، موازيا للدور الممنوح لقسد التي تتشكل قيادتها من القوى الكردية، وتطمين أنقرة التي تعبر صراحة عن هواجسها من دولة أو إقليم كردي شمال شرق سوريا. ونتيجة تطورات جمة، جمد الأميركيون المسعى، خصوصا أن جيش العشائر سيؤثر على عديد تنظيم قسد التي تسير وفق خارطة واشنطن ولها امتداد عرقي إلى شمال العراق.
لم يكن الحال بين مجلس دير الزور العسكري، المنضوي تحت لواء قسد، والقيادة جيدا، وثمة فوارق كانت تطفو على السطح أو تعبر عنها اشتباكات محدودة تقع في المنطقة بين الحين والآخر، ظاهرها صراع نفوذ وغنائم، لكن باطنها أعمق بكثير، فمسألة الفساد هي مسألة عامة لدى قسد وليست خاصة بفئة.
واقعا، كانت واشنطن من أشعل شرارة تعدد القوى بخطوتها تشكيل جيش العشائر العربية ثم تجميده، ثم تشكيل جيش أحرار سوريا في الرقة.
من هنا، يجب أن ننطلق نحو الأحداث التي تجري حاليا، والتي بدأت باقالة قسد قائد مجلس دير الزور العسكري واستدراجه إلى الحسكة وتوقيفه ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية. لا يحظى الرجل بشعبية واسعة، بل هناك تذمر من تصرفاته وفساده كما حال الكثير من المنتفعين في مناطق شمال شرق سوريا من الوجود الأمريكي والمكاسب التي يحققونها، لكن المس به كونه اعتبر مس بالعشائر ما أشعل الأوضاع.
قد يكون هذا الأمر سببا مباشرا للاشتباكات، لكن ثمة أسئلة عن الجهة التي أوعزت بتوقيفه، أو حرضت على ذلك لافتعال المعركة.
لا يمكن استبعاد دور قوات الاحتلال الأمريكي، فخطوة من هذا النوع، خصوصا لمن يعرف تفاصيل إدارتها لتلك المنطقة، لا يمكن أن تنفذ دون إذن مسبق منها مباشرة.
لكن ما الهدف من وراء افتعال المعركة؟
نتيجة متغيرات ميدانية وسياسية تحصل في سوريا، ومع تلمس واشنطن علاقة روسية إيرانية متقدمة، وتوسيع القوات الروسية وجودها نحو الشرق، ومع تعزيز واشنطن وجودها، ترى الأخيرة نفسها أمام حاجة إرضاء الجميع شمال شرق البلاد، بما يحفظ لها وجودا لأطول وقت ممكن، بل ويحصنه، وبالتالي قد تكون وضعت على طاولة التنفيذ إخراج جيش العشائر العربية إلى العلن وتنظيمه في مناطق ريف دير الزور الشمالي الشرقي وصولا إلى البوكمال في أقصى ريف دير الزور الجنوبي، وهي منطقة الاشتباكات الحالية، وهي المنطقة التي سرب سابقا نية تثبيت جيش للعشائر العربية فيها، لما للعشائر من امتدادات عربية وعشائرية في دول الجوار، تحديدا العراق والأردن، بل وأبعد من ذلك. وبذلك تكون واشنطن قد غيرت في شكل ميليشاتها، بحيث يتموضع “الكرد” شمالا، وهم على تماس مع عمقين لهما، واحد في تركيا والآخر شمال العراق، فيما تموضع جيش للعشائر جنوب شرق نهر الفرات، أي منطقة الاشتباك، وهو يتمتع بعمقين له، على أقرب تقدير في الأردن ( ولو ليس على تماس مباشر) وآخر في غرب العراق.
يلاحظ في خطاب طرفي الاشتباك عدم تعرضهما للأمركييين، بل التعاطي معهم كوسيط يجترح الحلول، وهناك سوابق من هذا النوع حصلت، بالتالي إن المعركة تحديدا من جهة العشائر ليست موجهة ضد الإحتلال الأمريكي، ولا منطلقات تحريرية لها، وهو ما يمكن استنتاجه من سلوكهم العسكري على الأرض، وخطابهم الاعلامي الذي ينظر للتحالف الدولي بقيادة واشنطن كمرجع للحل.
قد تذهب الأمور في مقبل الأيام نحو احتمالين:
- إما أن يشكل جيش العشائر العربية وينصب حاكما بأمر الأمريكيين في ريف دير الزور الشمالي الشرقي وصولا للباغوز كاملا.
- وإما يعطي مجلس دير الزور العسكري والشعائر بشكل عام امتيازات أوسع ضمن إطار قسد، سياسيا واقتصاديا وعلى صعيد القيادة.
لا بد من الإشارة إلى أن الأميركيين لم يتدخلوا بشكل كبير بين الطرفين حتى الساعة، وهم قادرون على وقف الاشتباكات، وهو ما يعزز فرضية إدارتهم للاشتباك بما يحقق مصالحهم، ومن تلك المصالح إنشاء كيانات متناحرة تحت أمرتهم، وهو السنياريو الأوضح.