“الخطر” على لبنان: سلاح حزب الله أم وجود “إسرائيل” في فلسطين؟
خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية | خاص الواقع
منذ نشوئها على أرض فلسطين المحتلة، تراكم “إسرائيل” القوة. تعمل وفق تفوق عسكري نوعي وقوة اقتصادية، للتمدد. تراقب نقاط الضعف في محيطها وتعمل على أساسه. وقد نجحت في تفكيك تكتلات عربية في مواجهتها، وعملت على “صلح” منفرد مع بعض محيطها، آخذة كل دولة على حدة كمصر والأردن في الربع الأخير من القرن الماضي.
تعمل “إسرائيل” وفق منطق “التوسع” سواء جغرافيا او عبر سطوة اقتصادية، وهو ما يتجسد في احتلالها الأراضي في البداية، ولاحقا نسج علاقات مع دول عربية قريبة وبعيدة تجعل منها مركز ربط، ولو بنسب ليست كبيرة، بين الشرق والغرب، وهي تطمح إلى لعب هذا الدور بشكل كبير خاصة مع توسيع الضربات لمحيطها.
ومع تصاعد عمليات التطبيع منذ عام 2020 مع دول عربية في المغرب العربي والجزيرة العربية، عملت “إسرائيل” على اختبار البيئة في تلك الدول لجهة تقبلها كحالة “طبيعية” في منطقتنا، وهو ما يمكن أن يترتب عليه نقاط قوة لصالحا تستثمرها سياحيا واقتصاديا على المدى الطويل. واقعيا، هي لم تتمكن من تكوين صورة سريعة في هذا الصدد، حتى لحظة الاختبار التي تمثلت بمونديال قطر 2022، حيث رفض التواجد الإسرائيلي وحضرت فلسطين، حتى على لسان مواطنين من دول شهدت تطبيعا للعلاقات مع الكيان، منها النموذج الذي قدمه منتخب المغرب العربي وجماهيره.
اكتشف الإسرائيليون سريعا، أن الحملات الإعلامية “المصنعة” والمدفوعة من دول اقليمية والمبنية على شراء الذمم وتوجيه الجمهور نحو مخاطر أخرى، قد أخفق.
كانت الخطط الإعلامية قد بدأت مبكرا، حتى ما قبل التطبيع، وعملت تعمل على شيطنة إيران وقوى المقاومة والإشارة إليهم كمصدر للخطر على شعوب المنطقة، وبمختلف المستويات، مع تغييب مصدر الخطر الحقيقي، الكامن بالدرجة الأولى بالكيان الإسرائيلي، الغريب عن المنطقة.
في لبنان، وضمن مرحلة محددة وحساسة، أي بعد ما حصل في 17 تشرين 2019، عملت غرف إعلامية سوداء على رفع وتيرة شيطنة المقاومة، كجزء من الحملة الموجهة من الخارج. تصويب على المقاومة وسلاحها واعتباره غير شرعي، وتجهيل احتلال الكيان الاسرائيلي لأراض لبنانية وخرقه السيادة الوطنية، وعدم التطرق لمناوراته التي تحاكي حربا على لبنان، بل والتناغم مع خطاب اسرائيلي في هذا الصدد، وصولا إلى تحميل حزب الله – اعلاميا – المسؤولة عن الحالة الاقتصادية التي وصل اليها لبنان، وربط تدهور العلاقة مع دول عربية بحزب الله ومواقفه، إضافة إلى طرح بدعة “الحياد”. كان واضحا أن الخطاب مبني على “منهجية” معدة مسبقا ويتم تنفيذها. لكن للعارفين، كان من السهل تفكيكها مع الحاجة إلى جهد لإفهام الجمهور بها وبتفاصيلها، خاصة مع الضخ الاعلامي المتواصل للقوى المناوئة للمقاومة.
كانت هذه الحملة تقدم ما تدعي أنه خطر على لبنان ووجوده، أي حزب الله وسلاحه، على الخطر الحقيقي الكامن بالكيان الإسرائيلي، لكنها سرعان ما اصطدمت بالوقائع، خصوصا في مرحلة تحديد المنطقة الاقتصادية بين لبنان والكيان، وابراز المقاومة ورقة قوة وضعت بتصرف المفاوض اللبناني.
وفي الوقائع، إن الخطر على لبنان، إذا ما أردنا تفكيكه، وبغض النظر عن الأصوات المدفوعة خارجيا، يكمن في أصل وجود الكيان الإسرائيلي، وليس فقط بكونه يحتل أراض لبنان في شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر.
يطرح السؤال التالي دائما: إذا انسحبت اسرائيل من مزارع شبعا، هل تسلم المقاومة سلاحها؟
في أصل السؤال خطأ فادح، وهو أن البعض يريد للكيان ان ينسحب ليس بنية تحرير الأرض وبناء الدولة، إنما بنية نزع السلاح.
من هنا، الاجابة بسيطة: إن وجود المقاومة وسلاحها مرتبط بعوامل عدة أبرزها:
- أصل وجود الكيان الاسرائيلي في فلسطين المحتلة.
- العدوانية الاسرائيلية وسياسات التوسع التي لم يتخل عنها الاسرائيليون، ولن يتخلوا عنها.
- التهديد القائم على مدار الساعة لشن عدوان، وتحين الفرص لالتقاط ضعف في قوة لبنان، (المقصود المقاومة)، وبالتالي إعادة طرح مشاريع قديمة ضربت منذ انطلاق الرصاصات الاولى اتجاه اجتياح الكيان للأراضي اللبنانية عام 1982 (الاشارة الى عام 1982 كمفصل، هو عام بدء التراجع للكيان داخل لبنان وصولا الى عام الفين)
ناهيك عن عوامل أخرى مرتبطة بسطوة اميركية على سلاح الجيش اللبناني، وتعطيل تطوره وإبقائه ضعيفا، ومنعه من امتلاك اي سلاح نوعي قد يشكل تهديدا للكيان الإسرائيلي او يهدد التفوق النوعي للعدو.
وعليه، إن الخطر على لبنان، وللتصويب، يكمن في أصل وجود الكيان الاسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة، ووجوده هو خطر على لبنان وعلاقاته الاقليمية، بل وخطر على مجمل دول المنطقة حتى من طبع معها.
إن سلاح المقاومة مرتبط بالتحرير الشامل، وليس مرتبطا بانسحاب من الأرض المحتلة فقط. باختصار، السلاح مرتبطة بزوال التهديد الاسرائيلي. وزوال التهديد لا يمكن أن يصبح واقعا وهناك مستوطنة واحدة قائمة على أرض فلسطين المحتلة.