“إسرائيل” و “حزام الصواريخ” .. قد تقصف بشكل يصل حد الجنون!
خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية | خاص “الواقع”
الحقيقة المرة أصبحت واقعا لا مفر منه، “حزام الصواريخ” يتسع والقدرات تتعاظم، ومشروع “صواريخ الدقة” بلغ مداه، والتفوق الجوي يتآكل، هي عبارات تختصر حال المؤسسات العسكرية والأمنية في الكيان الإسرائيلي. مئات الأبحاث، وعشرات التصرحيات، التي تستند الى معطيات استخباراتية وواقعية، تؤكد أن الكيان الإسرائيلي بات محاطا بـ”زنار” من الصواريخ، تتركز في ست جبهات، أكثرها تهديدا تلك التي يمتلكها حزب الله في لبنان، بدرجة أولى، يليها جبهتان من “غزة” وأخرى في سوريا، مضافا اليها جبهات اليمن ايران والعراق.
خلال ندوة إعلامية العام الماضي، كشف رئيس وحدة الأبحاث السابق في الاستخبارات العسكرية “أمان” العميد “إيتي بارون” عن أنه “في الأشهر الأولى من عام 2013 دخل الى غرفته عدد من الضباط، أغلبهم متخصصون في المجال التكنولوجي، وعرضوا عليه أحداثاً تكاد تحصل، تتصل بما وصفوه أنه مشروع دقة للصواريخ الإيرانية، وعمليات نقل مركّبات من إيران إلى لبنان”. ويضيف قائلا: “كانت المرة الأولى التي أجرينا فيها نقاشاً جدياً حول مسألة أهمية مشروع الدقة”، موضحا أنه “كان هناك حاجة للمستويين العسكري والسياسي، لشرح أبعاد تحقق قدرة هجوم دقيقة”، لافتاً الى أن ذلك يغيّر “العقيدة القتالية، وميدان القتال”.
ما كشفه بارون حدث في ذروة بدء “الكيان الإسرائيلي” معركته بين الحروب في سوريا، والتي حملت عنوانا واضحا في البداية وهو منع “وصول سلاح كاسر للتوازن” إلى المقاومة لبنان.
مرت على واقعة “بارون” عشرة أعوام، فإذا ما أجرينا تقييما سريعا يتضح أن ما أرادوا تفاديه أصبح أمرا واقعا. المقاومة في لبنان باتت تملك ما هو أبعد من “الصواريخ الدقيقية”، هي باتت تصنعها وتطورها، ناهيك عن امتلاكها قدرات سمحت لها بتصنيع أنواع مختلفة من المسيرات والتي بحد ذاتها تشكل قلقا عميقا لدى الكيان الإسرائيلي، ولعل أهم اختبار لهذا السلاح هو “مسيرات كاريش” التي لعبت دورا بارزا في تليين التصلب الإسرائيلي ومنح لبنان حقه في المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها.
وفي غزة، التي تخوض مقاومتها بين الحين والآخر أياما قتالية، وتعيش تحت حصار مطبق، يتضح، حسب معطيات إسرائيلية كشف عنها منذ مدة أن المقاومة تسرع من وتيرة تصنيع وتطوير الصواريخ، وأن التقديرات تشير إلى أن كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تملك وحدها ما يفوق الـ 90 ألف صاروخ من مختلف الأصناف، مع تسارع في وتيرة التصنيع.
وفي سوريا، التي تتعرض لضربات معادية، في إطار “المعركة بين الحروب”، والتي حملت عناوين مختلفة، منها منع “التموضع الإيراني” – كما تصفه “إسرائيل” – ومنع الجيش السوري من استعادة قدراته الاستراتيجية، تحديدا الصاروخية، يعبر الإسرائيليون عن إخفاق في منع تحقق كلا الهدفين، ولو بشكل كلي. “أفيف كوخافي”، رئيس الأركان الأسبق، بعد انتهاء ولايته أشار إلى أنهم “قللوا من حجم التموضع، لكن صواريخ ايرانية، منها الدقيق، إضافة إلى أنظمة دفاع جوي، باتت تتموضع في سوريا”. يتحدث الإسرائيليون بشكل واضح عن أن سوريا هي ساحة اشتباك ما إن وقعت حرب شاملة وأن التهديد منها قائم ولم ينتف رغم ما تمر به دمشق من أزمات اقتصادية وغيرها.
“إسرائيل” نفذت العام الماضي، أكبر مناورة في تاريخها، وحملت عنوان: مركبات النار”. وقد حاكت خوض “إسرائيل” حربا على ست إلى سبع جبهات. هذه المناورة لم تكن لتقام بهذا الحجم لولا توفر معطيات واضحة عن ارتفاع منسوب التهديد الوجودي أولا، وثانيا عن عمل المحور المقابل على فرضية الحرب الشاملة، وبالتالي وضع الخطط اللازمة لمحاكاة حرب متعددة الجبهات في آن واحد.
وفي الماضي، عندما كان الإسرائيليون يصوبون على دور قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني، كان التركيز يصب على دوره في إحاطة كيانهم بكتلة ضخمة من الصواريخ والمعدات المتطورة، والتي هي فعلا أصبحت أمرا واقعا، بل ومعلنا من قبل قوى محور المقاومة.
ولعل أبرز تعبير مبنيٌ على معطيات واضحة ومتوفرة هو ما عبر عنه اللواء في الاحتياط “عاموس يادلين” عندما قال: “إن مشروع دقة الصواريخ هو التهديد الاستراتيجي من الدرجة الأولى على إسرائيل .. إنه القضية الأكثر أهمية للمجلس الوزاري المصغر السياسي – الأمني”. كذلك ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية “أهارون هاليفا” عن أن الصواريخ الدقيقة هي التهديد الوجودي الثاني بعد “النووي الإيراني”.
مجمل ما يعبر عنه الإسرائيليون – عسكريون وساسة – مبني على معطيات وتقديرات استخبارية، والتقديرات كافة توصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن لا مفر من تلقي الضربات حال وقوع الحرب، مع ضرورة العمل على التخفيف من حدتها عبر ما يرونه ضرورة وهو المعركة بين الحروب على أكثر من جبهة، مهما كانت تكاليفها المادية، مع مراعاة عدم الوقوع في تقدير خاطئ قد يجر إلى حرب.
في المقابل، وبمراجعة بسيطة لتصريحات قادة في محور المقاومة، من بينهم السيد حسن نصرالله، مع توفر بعض المعطيات، يتبين أنه في أي حرب مقبلة فإن الكيان الإسرائيلي سيتعرض لضربات صاروخية ذات قدرات تدميرية، وبشكل يصل إلى حد الجنون، وأن إمكانية توسع أي حرب تقدم “إسرائيل” عليها في أي من الجبهات هو أمر ممكن، بل أقرب منه إلى انحسار المواجهة في جبهة واحدة.
في المحصلة، إن “حزام الصواريخ” الذي يلف الكيان الإسرائيلي هو أمر منجز، مع مواصلة تطويره، وأن قرار الإيذان بصب “الحمم الصاروخية” مرهون بسلوك الكيان الإسرائيلي “وتقديراتها”.