“التطبيع” السوري – التركي .. عقبات كثيرة ومسار طويل
خليل نصرالله – صحافي مختص في الشؤون الإقليمية | حاص – الواقع
لا شك أن مرحلة تبريد الساحات أو التهدئة في المنطقة آخذة بالإتساع. لا زالت الأمور في بدايتها. الانفراجة تتوقف عند استعادة العلاقات الدبلوماسية، على أن يأتي لاحقا توسيعها إلى أمور أخرى، وهو ما تقف أمامه عقبات عدة على رأسها الموانع الأميركية، خصوصا بين دمشق ودول تدور في الفلط الأميركي، وكانت حتى الأمس القريب خصما لدودا لدمشق.
التقارب السعودي السوري قد يكون عنوان المرحلة الماضية، وهو خرق إيجابي بين دمشق وخصوم الأمس، لكن تبقى الأعين مفتوحة على علاقة دمشق بالجارة الشمالية، أي تركيا.
في “تطبيع” دمشق علاقاتها مع السعودية والإمارات ثمة سهولة، لاعتبارات عدة، أقلها عدم وجود حدود مشتركة أو قوات من البلدين تتموضع على الأرض السورية، لكن الأمر مع تركيا يختلف تماما لأسباب عدة أبرزها:
- وجود قوات احتلال تركي في الشمال الغربي – والشمال الشرقي.
- وجود تنظيمات إرهابية على رأسها تنظيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي (إدلب وبعض مناطق عفرين).
- وجود دور أميركي ميداني خصوصا في شمال شرق سوريا حيث تتسع الهواجس التركية الأمنية.
- اختلاف كبير بين ما يطرح تركيا وسوريا حول تنظيم الوضع شمالا.
- اختلاف في ترتيب الأولويات.
هذه العوامل تطلب جهدا كبيرا لحلها، ولا يمكن إسقاط العامل العسكري في التعامل مع بعضها، إذ لا يمكن التعايش، بالنسبة لدمشق، مع وجود تنظيمات إرهابية لا مكان لها في أي حلول سياسية، بل مطلوب القضاء عليها. فدمشق ليست بوارد القبول بدمج قنابل موقوتة في مجتمعها لخطورته على المدى البعيد. ويقع على عاتق أنقرة تقديم تنازل كبير في هذا الصدد، أولا لإثبات نيتها في مكافحة الإرهاب، وثانيا لتأكيد انفصال خطوتها عن أي مصالح أميركية في سوريا.
إضافة إلى ذلك، يعقد العامل الأميركي المشهد أمام إحراز تقدم في المباحاثات السورية – التركية عبر الوساطة الروسية الإيرانية بشكل وازن. فلا تخفي أوساط تركية شن واشنطن حملة ضغوطات ضد تركيا، ووضع عراقيل أمام محادثاتها مع دمشق، أقله عبر الإمساك ب”الورقة الكردية” التي تشاكل الهاجس الأول بالنسبة إلى أنقرة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، تؤكد معطيات أن واشنطن عملت على احتضان تنظيمات إرهابية ليس في شمال شرق سوريا فحسب، بل وفي غربها، فهي بنت علاقة مع زعيم تنظيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي أبو محمد الجولاني، وأمنت غطاء له على مدى السنوات الماضية، وتعمل على الاستثمار بهذا التواجد.
لا شك أن الوساطة الروسية – الإيرانية ستتواصل، وهناك احتمال لاتساع التلاقي، لكن ثمة مؤشرات على أن عامل الثقة بين البلدين الجارين (سوريا – تركيا) لم تترمم بعد. يمكن الإشارة إلى أن دمشق ترى أن أنقرة لم تف حتى الأن بالتزامتها في اتفاق مارس 2020، بين الرئيسين التركي والسوري، في نقطتين هامتين، فتح طريق ال أم 4، الرابط بين حلب واللاذقية، وفصل التنظيمات الإرهابية عن تلك التي يمكن استيعابها، وهي إشارات لا ترى فيها دمشق نوايا تنازلية من قبل الأتراك، بل المحافظة على أوراق داخل الأراضي السوري. وفي هذه النقطة يرجع مراقبون الأمر إلى عالمين: الأول هو الاستثمار التركي في هذه المجموعات، والثاني الغطاء الأميركي لها الهادف إلى إبقاء جبهة شمال غرب سوريا مفتوحة كعامل إشغل يؤمن له استقرارا في شمال شرق البلاد حيث يتموضع عسكريا وأمنيا.
وعليه، من المبكر الحديث عن خروقات جدية ووازنة من خلال الاجتماعات العسكرية والدبلوماسية التي تستضيفها موسكو. وتوضح المشهدية العامة، أن المسار في هذا الصدد يعد طويلا، خصوصا مع تلمس تناقض بين التصريحات التركية من جهة، والممارسة الميدانية على الأرض، إذ يتبين أن حسابات أنقرة بعضها مرده لأسباب داخلية وأخر هو محاولة تموضع بين معسكري واشنطن من جهة، وروسيا وايران والصين من جهة أخرى.
يبقى القول إن مسألة اللاجئين السوريين في تركيا هي الأقرب للحل من غيرها، ولو كانت واشنطن لا تشجع على عودتهم، بل وتمارس ضغوطا في هذا الصدد.