فلسطين المحتلةلبنان

لماذا ارتبكت “إسرائيل” منتصف رمضان وتجنبت اشتباكا مع حزب الله؟

خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية | خاص – الواقع

لحظة انطلاق الصواريخ من لبنان منتصف شهر رمضان، وضع الكيان الإسرائيلي نفسه أمام حتمية “الرد”. طيلة الأسابيع التي سبقت يوم الصواريخ، كانت لغة “التهديد الأمني” المتصاعد على أكثر من جبهة تسود تصريحات وعمل الطاقم العسكري والأمني. لم تستخدم في مواجهة الاشتباك الداخلي ك “فزاعة”، إنما كانت تنم عن أخطار متصاعدة، يتلمسها الإسرائيليون، بل بات بحوزتهم معطيات حولها. شاهدوا أمورا “عملية” بأم العين، تبين عن خطوات متقدمة يقدم عليها محور بأكمله.

كان من المفترض أن تشكل عملية  “صواريخ الخميس”، فرصة لتنفيذ رد مباشر على حزب الله، يعطي الكيان مساحة لمحاولة فرض قواعد اشتباك فيها شيء من التوازن، لكن المعطيات المتوافرة أمام الطاقم الأمني والعسكري، إضافة إلى المعادلات المفروضة من المقاومة في لبنان، حكمت القرار الإسرائيلي الذي ارتأى أن يحصر الرد، ويبعد حزب الله عن المشهد ويحمل حركة حماس المسؤولية، وينفذ ردا، لا يحفظ حتى ماء الوجه.

ما تحدث به الاسرائيليون لاحقا، أي بعد الرد جنوب صور في منطقة مفتوحة، وما سربوه عبر مسؤولين أمنيين، عن عدم النية للإنجرار إلى حرب، وعن عملهم على الفصل بين حزب الله وحماس، وساحتي الشمال والجنوب، يبين أمورا عدة، دفعتهم إلى شيء من التعقل.

الأمر ليس مرتبطا مباشرة بما جرى، بل يتعلق بما سبق من عملية صواريخ الخميس. كان المشهد في المنطقة عرضة للمتابعة الإسرائيلية الدقيقة. حصل تصعيد في سوريا، لامس حدودا، كان الإسرائيليون يحاولون تجنبها في الماضي، حاولوا من خلالها إيصال رسائل تصعيد، وأنهم بوارد الذهاب بعيدا، لكن الأجوبة التي تزامنت مع التصعيد هناك، وتلك التي وصلت لاحقا، سواء عبر أعمال أمنية، أو عبر أطراف أخرى، زادت من تعقيد المشهد عليهم. الخلاصة في “تل أبيب” واضحة، وهي أن خوض غمار ومغامرة “أيام قتالية” سيعني إنفلات الأمور إلى اشتباك واسع في أكثر من ساحة، وهو ما عبر عنه يوآف غالانت، وزير الحرب في حكومة نتياهو في أكثر من مناسية.

ما فهمه الإسرائيليون أن تشابك الساحات بين قوى ودول محور المقاومة بلغ حدودا “صعبة”. ثمة قرار بعدم السماح للعدو بالتفرد في أي من الجبهات او الساحات، وما صواريخ غزة ولبنان إلا دفعة لتثبيت الأمر في ذهن المؤسسة الأمنية والعسكرية في الكيان، والتي وضعت الطاقم السياسي في أجواء ما يجري.

من هنا، يمكن فهم أمور عدة، أبرزها تشديد الإسرائيليين على تجنب حزب الله، ولو ما باب الاتهام، والذهاب نحو رد أقل من استعراضي، ثم الحديث عن نجاحهم في الفصل بين جبهتي الجنوب والشمال.

يفهم أيضا أن “مركبات النار”، تلك المناورة الشاملة التي حاكت حربا على جبهات عدة، بقيت ضمن خانة المحاكاة التي لا تشبه الواقع، وفي هذه المسألة إشارات مهمة تضيء على واقع العدو.

في المحصلة، ثمة محاذير خلف الضجيج الإسرائيلي – وهو المطوق بمعادلات سابقة، ومستجدة، هو يعرفها – تدفعه إلى الذهاب نحو تهدئة والعمل على ابتداع ما يراه ضروريا للتفكيك بين الساحات المقابلة، وابتكار أساليب جديدة في المواجهة تقيه حربا شاملة. يقول عارفون في هذا الصدد إن القطار قد فات العدو، وأن استراتيجية “وحدة الساحات” تتقدم على ما سواها، بل وتطور من نفسها. ويشير هؤلاء إلى سلوك العدو خلال المرحلة الأخيرة الذي يبين حجم الارتباك، في مقابل تماسك الجبهات المقابلة له، بل وإمساكها بزمام المبادرة على صعد عدة.

وعليه، إن تجنب حزب الله مؤشر على ردع العدو الذي تآكل على مدى سنوات، وبانت صورة منه في عملية سيف القدس وما تلاها، وستبين المرحلة المقلبة مزيدا من التراجعات الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى