خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية | خاص -الواقع
“خراب الجير”، هو مطار زراعي، يبعد خمسة كيلومترات عن بلدة اليعربية الحدودية مع العراق في أقصى شمال شرق سوريا، حولته قوات الاحتلال الأميركي إلى مطار عسكري بعد دخولها إلى هذا البلد بدءا من أواخر عام ٢٠١٤، وتركز عمله كقاعدة لوجستية لقوات الاحتلال بين سوريا والعراق.
نسبيا، هو بيعد عن خطوط التماس مع الجيش السوري وحلفائه، ولا يمكن إصابته إلا بصواريخ بعيدة المدى أو مسيرات.
خلال سنوات الاحتلال تعرض لضربات عدة، بصواريخ ١٠٧ او قذائف هاون، وهي عمليات تنسب إلى المقاومة الشعبية، لكن ضربة الخميس ٢٤-٣-٢٠٢٣، كانت مختلفة من جوانب عدة وتحمل عدة رسائل.
لم يفصح الأميركيون عن طبيعة الضربة إلا بعد تنفيذ غارات استهدفت مواقع لقوى رديفة في دير الزور. أكد بيان صادر عن القيادة المركزية الأمريكية أن القاعدة تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة، وأسفر الهجوم عن مقتل متعاقد مع الجيش الاميركي وإصابة آخر، إضافة الى عدد من الجنود الأميركيين النظاميين أصيبوا بجروح.
نفذ الأميركيون ردا فجر الجمعة، طاول نقاط عدة ابرزها في دير الزور، واسفرت عن سقوط شهداء، قبل ان يتلقى الأميركيون ضربات صاروخية استهدفت قاعدتهم المقامة في حقل العمر النفطي شرق مدينة الميادين السورية، وهو ما فسر كرد على الرد.
لكن ثمة أسئلة عن رسائل هذه الضربة، خاصة أن الأميركيين لم يتوقعوها، وهو ما يفسره فتح تحقيق بعدم عمل انظمة الدفاع الجوي في القاعدة، وكذلك سقوط قتلى وإصابات في صفوف حامية القاعدة غير الشرعية.
إن من استهدف قاعدة خراب الجير بطائرة مسيرة أراد القول:
- أن لا أمان لأي نقطة أميركية في سوريا على وجه العموم، وشمال شرق سوريا على وجه الخصوص.
- أن المشاغبة الأميركية عبر دعم تنظيمات إرهابية وإفلاتها في البادية السورية، تحديدا المجموعات التي تنتمي لداعش، سيتم الرد عليها بقسوة ودون سابق إنذار.
- أن قواعد الإشتباك في طور التعديل بما يلجم المشاغبة الأميركية والأعمال الاستفزازية.
إضافة الي ذلك، يبدو أن قرارا قد اتخذ بتوسيع هامش المبادرة في استهداف القواعد الأميركية وبأساليب متنوعة منها المسيرات.
وفي الرسائل الاستراتجية ثمة موشرات على نقل اللعب إلى شمال شرق سوريا، والتصويب على الوجود الامريكي غير الشرعي كعلة العلل، وليس صدفة ان تأتي الضربة بعد زيارة رئيس الاركان الأميركي إلى شمال شرق سوريا قبل مدة، والتي أعطت موشرا سيئا على تحركات أمريكية محتملة.
هناك وضوح في أن مرحلة جديدة بدأت، قد تخرج فيها الأمور عن الضربات الاعتيادية ذات الرسائل الموضوعية. ثمة من يقرأ في العمق وبات يعي بأن التواجد الأمريكي لا يجب أن يستقر بما يسمح له بتوسيع هامش مناورته، لذا وجب نقل المعركة إلى أماكن تموضعه الحساسة.
ختاما، يجب التذكير بأن المبادرة بتوجيه ضربات للوجود الأميركي ليس وليد عملية “خراب الجير”، بل يعود إلى ما قبل عامين، لكنه دخل مرحلة جديدة منذ فجر الخميس عنوانها: لا حصانة للاحتلال، واللعب على “أرضه” قد بدأ.